المشاركات

ولا كل اليخنات

صورة
  هل تظن أن كل يخني... يخني؟ آه يا سيدي العزيز، لو تدري كم يخنة مرت عليّ دون أن تترك فيّ غير عسر هضم فلسفي! اليوم، وأنا أجر خطاي المتهالكة عائدًا من العمل، وجدت نفسي واقفًا — بقدرة قادر — قدام بائع الخضار إياه، رافع أكمامه كأنه داخل معركة مصيرية مع الكوسة والبطاطس. ابتسم لما شافني وقال وهو بيرص الكوسة: "والله ورجلينا تقلت على الكوسة... يا أستاذ، عايزين فتوى منك نطبخها ولا نكتبها!" فضحكت، وأنا أشاور على البطاطس. مسك حباية منهم، قلبها في إيده كأنها خاتم ألماس وقال: "تصدق يا أوستاذ ... الحباية دي كانت بتسأل عليّك امبارح، قالتلي وحشني أبو الأساتيذ!" قلتله وأنا باداري ضحكتي: ـ "يخرب عقلك... بطاطس إيه دي إللي بتسأل عليّ؟ ناقص تكتبلي جواب كمان!" قهقه وقال: "آه يا أستاذ، زمنك ده كله مقلوب... البطاطس بتتكلم، والكوسة بتخطب، والقرع بيحكم!، واليوم هاينقلوا السوق من مكانه" أخذت حاجتي وأنا بقسم بالله في سري: لو فضل الراجل ده يحكي، هأكتب عنه رواية اسمها "رجل يربّي الخضار على الكلام". حدثتني نفسي : لماذا لا أجرب أن أكون طاهياً ليخنة تُكتب في التاريخ؟ ب...

إنسان

صورة
  إنسان أنا الوفرة وأنا ما ندر وقل أنا طفرة أنا المعرفة والجهل أنا الخائن والمغدور أنا الظلمات والنور أنا الماء  والخضار و الرعد و الإعصار في تكويني تضاد فأحيانًا حصاد وأحيانًا جراد لا أحد يشبهني ولا أشبه أحد أينما وليت يرافقني المدد خليط غير ممل فيه من كل شيء    ... كأنه " كل " تارة ناسك وتارة فاسق أملك ؛ وأكابد وأحب وأمل من جديد ولا أعرف لماذا بالتحديد ؟ لا شيء عندي عزيز الكل طعمه لذيذ وحينما أيأس يشدني بقوة  مارد إلى عالم بعيد  وتتغير كل الأشياء و أنسى من أنا لأبدأ رحلة  شقاء وأعود أضحك  وأعود أحب من جديد وأنا أعلم أني سأخان أو أخون وأعود كي أكون مثقلًا بالأحزان وأعود أدعو وأتعبد وأنا مدمن خمر وأعود لحلقات الذكر وأنا أعلم أني شرير  إلى متى ؟ سأظل حائراً في البحر بلا بوصلة أو خط سير فكل الأمواج تتشابه أين مني  الشطآن ألملم بقايا إنسان ملعونة هي الكآبة ملعونة هي الرتابة متى أعود ؟ متى أعود ؟ اشتقت للإنسان 

ولا كل الكبدات

صورة
  أتذكرون السوق ؟ إنه يقطع طريق عودتي من عملي ، وأثناء عودتي مرهقًا قليلًا رأيت بائع اللحوم يقطع كبدة ويعبئها في أطباق ومن ثم يغلفها ويضعها في ثلاجة عرض ، فنسيت تعبي وإرهاقي وتذكرت إجابة ابنتي الكبرى عن سؤالي الوجودي في مقالي السابق "ولا كل الشكشوكات" فتسمرت قدماي ووقفت أمام البائع شارد الذهن قليلًا ، فبادر بسؤالي : أؤمر يا أبو الأساتيذ ، أجيبلك إيه ؟ فتنبهت وقلت بكام كيلو الكبدة النهاردة ؟ فقال : ١٦٠ جندي بس يا أستاذ ، فتلبستني روح المتمرس العارف بأنواع الكبد وقلت ، ودي مستوردة من أي بلد ؟ قال بلا تردد : برازيلي برازيلي يا أستاذ ، فضحكت وقلت : أكيد كانت بتلعب كورة ، ثم قلت للرجل لما وجدته لم يستحسن أفشتي : طيب يا حاج عبيلي طبق ب ١٠٠ جندي ، ثم أخذت الكبدة ومشيت غير مدرك حجم التوريطة التي ورطت بها نفسي ! وماذا بعد ؟ سرت ولا أنتوي أي شيء ، حتى توقفت قدماي مرة أخرى عند بائع الخضروات إياه ، وأكيد لسة فاكرينه ، هذا البائع المتنمر ، ذهبت و ناوي له على نية ، لكن بمجرد أن رآني تذكرني فابتسم ابتسامة مصرية صافية أطفأت نار نيتي له ، فابتسمت وقلت : إوزن كيلو بطاطس ، فضحك القهقة وقال : إن...

حكايات مصرية ٣

صورة
 هنا القاهرة - شبه دولة المماليك  هنا القاهرة عاصمة الخلافة العباسية ، وعاصمة السلطنة المملوكية في ذات نفس الوقت ، أيوه زمبقولك كده  ، فبعد قتل التتار للمستعصم بالله آخر خلفاء العباسيين في بغداد ، ظلت الخلافة بلا خليفة لما يقرب من ثلاث سنوات ونصف تقريبًا ، حتى وصل المدعو " أحمد المستنصر بالله " في ظروف غامضة إلى القاهرة في شتاء عام ١٢٦١ م أثناء حكم السلطان الظاهر بيبرس وكان عمر المستنصر هذا وقتها يقارب ال ٣٥ عام ولا يعرف بالتحديد إن كان هذا المستنصر قد أتى ضمن مجموعة من عرب الحجاز الذين كانوا ينزحون إلى مصر بحثًا عن رغد العيش ضمن سلسة من هجمات النزوح الشرسة للعربان والتي كانت تتسم بالعنف والسطو والقلاقل التي كانوا يفعلونها أثناء تلك الفترة التي اتسمت بعدم الاستقرار في شبه الجزيرة العربية ، وقيل إيضًا في مجيئ المستنصر إلى مصر ، أنه جاء بناء على طلب من سلطان مصر الظاهر بيبرس ، وهنا يجب أن نتوقف قليلًا ، فبيبرس البندقداري كان سلطانًا قويًا ، حتى أن بعض المؤرخيين يعتبرونه سلطان المماليك البحرية الأول ، رغم شهرة سابقه " سيف الدين قطز " والدور العظيم الذي أداه في منازلة ا...

حكايات مصرية ٢

صورة
قوم يا مصرى مصر دايما بتناديك خد بنصرى نصرى دين واجب عليك يوم ما سعدى راح هدر قدام عينيك عد لى مجدى اللى ضيعته بأيديك شوف جدودك فى قبورهم ليل نهار من جمودك كل عضمة بتستجار صون أثارك ياللى دنست الاثار دول فاتولك مجد و أنت فوت عار شوفت اى بلاد يا مصرى فى الجمال تيجى زى بلادك اللى ترابها مال نيلها جى السعد منه حلال زلال أيضًا الرائع ... بديع خيري في العام ١٨٣٢ م لم تنسى فرنسا حلمها بشق قناة تربط بين البحرين فأرسلت وفدًا من خيرة مهندسيها ، واستطاعوا الحصول على إذن من رجل الدولة المحنك " محمد علي " بالذهاب إلى الموقع من جديد وتأكدوا أن " لوبير " مهندس " نابليون " قد أخطأ في الحساب ، وأثبتوا أن مستوى المياه في البحرين واحد ، لكن " محمد علي " وافق على الحفر بشرطين في منتهى الحنكة والذكاء ، رغم كونه لم يكن مصريًا لكن ولائه كان مصريًا ، بعكس مصري اليوم والذي ليس لديه ولاء إلا للأعداء ، نعود لشرطي " علي " أما الأول : أن تضمن القوى العظمى حيادية القناة وبالتالي الاعتراف الضمني باستقلال مصر ، وأما الثاني - وأرجوك انتبه جيدًا له - أن تمول القناة بال...

حكايات مصرية ١

صورة
  هز الهلال ياسيد كراماتك لاجل نعيد حد الله مابيني وبينك غير حب الوطن ياحكومة ماحناش حبة بلاليص حاطينها فوق الكراسي بكرة المولى يعدلها وفي الدنيا عمرك ما تقاسي هز الهلال ياسيد كراماتك لاجل نعيد الرائع بديع خيري كلمات مصرية صٍرفة ، وحكاية مصرية صٍرفة بتبدأ سنة ١٨٧٤ ق.م لما قرر عظيم مصر " سنوسرت الثالث " الملك الخامس للأسرة الثانية عشر ، وأعظم ملوك عصر الدولة الوسطى ، ووالد العظيم " أمنمحات الثالث " ملوك الحروب والرخاء ، ولا تسألني كيف يجتمع الحرب والرخاء في آن واحد ، لكنه تحقق بالفعل في عهد العظماء  ، أما في عهد الجبناء فلا حرب ولا رخاء ، هكذا أخبرنا ويخبرنا " أبانا " التاريخ ، سنوسرت شق قناة تربط بين البحرين المتوسط والأحمر عبر نهر النيل ، عرفناها باسم " قناة سيزوستريس " وبالمناسبة هذا الاسم هو نفسه اسم " سنوسرت" كما نطقه الإغريق ، وتكمن أهميتها في أنها زادت من حركة التجارة بين " كمت " و " بونت " ، أقصد " مصر " و " الصومال " كما عززت أيضًا التجارة بين مصر وجزر المتوسط ، ولأسباب تتعلق بضعف الدولة أ...

ولا كل الشكشوكات

صورة
  كنت قد اشتقت كثيرًا للأكل من عمل يدي ، وسرعان ما أشمرت يداي ، وتولد بداخلي حماس هائل مهول ، فاتخذت قراري الحازم الحاسم وتوجهت إلى السوق غير مباليًا ، وبكل شجاعة سحبت كيسًا بلاستيكيًا و شرعت في تعبئته بحبات الطماطم الصغيرة المستديرة بل كاملة الاستدارة ، ثم وبكل بهجة تناولت كيسًا آخر ، وكأني أعلنها بيني وبين نفسي - أنا هاخربها النهاردة - ووجدتني أملأ الكيس الآخر بصلًا رأيته مبصولًا ، لا شك أنني سعيد بل في غاية السعادة ، فمنذ زمن بعيد لم أفعل هذا ، وأكتفي بسد رمقي من عمل يد الناس ، ومهما كان الأكل الجاهز لذيذ ، أنت لا تجد نفسك فيه ، أنت هنا متلقي ، و دورك غير مؤثر ، وكأن البائع فضح أمري وأنتم تعلمون أن للبائعين المحترفين نظرة ، فأنا لست زبونًا دائم ، فأمسك بكيس الطماطم و هم بسؤالي : أوزن لك نصف كيلو يا أستاذ ، فأجبت بتعالي وربما بعض الاستنكار : نصف كيلو إيه يا عم هو أنا هاعمل سلطة ، كنت أود لحظتها إخباره بأني سأطبخ ، لكني وفي اللحظات الأخيرة سحبت الكلمة من أطراف شفتاي ، فبدلتها مسرعًا وقلت بملئ الفم : أنا عاوز كيلو ، ثم تكرر مع البصل ما حدث للطماطم ، فارتبت من أمر الرجل ، لكني أمام ...