ولا كل اليخنات


 

هل تظن أن كل يخني... يخني؟

آه يا سيدي العزيز، لو تدري كم يخنة مرت عليّ دون أن تترك فيّ غير عسر هضم فلسفي!

اليوم، وأنا أجر خطاي المتهالكة عائدًا من العمل، وجدت نفسي واقفًا — بقدرة قادر — قدام بائع الخضار إياه، رافع أكمامه كأنه داخل معركة مصيرية مع الكوسة والبطاطس.

ابتسم لما شافني وقال وهو بيرص الكوسة:

"والله ورجلينا تقلت على الكوسة... يا أستاذ، عايزين فتوى منك نطبخها ولا نكتبها!"

فضحكت، وأنا أشاور على البطاطس.

مسك حباية منهم، قلبها في إيده كأنها خاتم ألماس وقال:

"تصدق يا أوستاذ ... الحباية دي كانت بتسأل عليّك امبارح، قالتلي وحشني أبو الأساتيذ!"

قلتله وأنا باداري ضحكتي:

ـ "يخرب عقلك... بطاطس إيه دي إللي بتسأل عليّ؟ ناقص تكتبلي جواب كمان!"

قهقه وقال:

"آه يا أستاذ، زمنك ده كله مقلوب... البطاطس بتتكلم، والكوسة بتخطب، والقرع بيحكم!، واليوم هاينقلوا السوق من مكانه"

أخذت حاجتي وأنا بقسم بالله في سري:

لو فضل الراجل ده يحكي، هأكتب عنه رواية اسمها "رجل يربّي الخضار على الكلام".

حدثتني نفسي :

لماذا لا أجرب أن أكون طاهياً ليخنة تُكتب في التاريخ؟

بعد مااشتريت ما تيسر، وحملت الغنائم، وعدت إلى مملكتي الصغيرة.

سلخت الكوسة سلخاً، وقطعت البطاطس تقطيعًا يليق بمجدها الغابر،

ورميت الفلفل فوق الجميع كما ترمى التوابل في ثورة جياع.

النار، تلك العاشقة القديمة، كانت تنتظرني بفارغ الصبر.

أشعلتها، ورقصت عليها القطع مبتهجةً...

كما ترقص الشعوب عندما تعدها الحكومات بفرج قريب!

وبينما كانت رائحة القِدر تتسرب إلى أرجاء المكان، وقفت أمامه متأملًا:

هل أنا الآن أطهو يخنة... أم أطهو نفسي؟

كل قطعة كوسة، كل بطاطساية مبطسطة، كل فلفلية مفلفلة،

كانت تشبه جزءًا مني:

كوسة تكاسلت عن حلم،

بطاطس سقطت في معركة عمر،

وفلفل حار أحرق لسان أملي ذات مرة.

وعلى نار هادئة اشتعل المزيج، وكأنه بيكتب لي ملحمة جديدة:

ملحمة "اليخنة اللي خدت حقها من الزمن."

وبين ملعقة وملعقة،

ابتسمت لنفسي…

مش كل اليخنات سواء،

ولا كل الخضار خضار،

ولا كل السخرية مرة…

فيه سخرية بطعم يخني أبو لهب…

وسخريتي النهاردة كانت بطعم يخني أبو فرحة!

آه، ما أشبهنا باليخنات،

نبدو متماسكين، لكننا خليط هش من طموحات مشوية وأحلام مسلوقة!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

Biography

فتى الجنوب (أحمس الأول)

"قطة المطار" - قصة قصيرة